كانت النكبة السورية حاضرة بقوة على أجندة المتنافسين على الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية و من تتبع نقاط الالتقاء و الاختلاف ما بين أفكار كلا المرشحين فيما يتعلق بالأزمة السورية نجد :
-وصف كلا المرشحين ما يجري في سوريا على أنه حرب أهلية و ليس ثورة شعبية خلافاً للواقع و الحقيقة.
-ليس لدى أي من المرشحين في إطار مجلس الأمن الدولي أي وعود جدية بأنه سيكون هناك إجراءات عاجلة لحقن دماء السوريين أو حماية المدنيين بما يحول دون مضي النظام السوري في عملية الإبادة الجماعية التي يقوم بها حالياً سواءاً من خلال حظر جوي أو مناطق عازلة أو معابر آمنة تضمن وصول الإغاثة الإنسانية .
-لم يعترف أي من المرشحين أن ما وصل إليه الحال في سوريا من استشراء للعنف المسلح هو نتيجة طبيعية لتراخي المجتمع الدولي أو بالأحرى تواطؤ مجلس الأمن الدولي مع النظام السوري.
– كلا المرشحين محصور في زاوية فكرية ضيقة جداً بما يحول دون الجدية و المصداقية في التعاطي مع نكبة الشعب السوري و كلاهما يمارس سلوكاً لفظياً هروبياً نحو طروحات عامة و مجملة و تصورات ذهنية لا جدوى منها على أرض الواقع و هو ما سيتم ترجمته مستقبلاً من خلال عبارات استهلاكية لا قيمة لها من قبيل ” أن الأسد فقد شرعيته …. و أن عليه أن يتنحى …. أو أنه يقتل شعبه …. أو أن علينا أن نكون في الجانب الصحيح من التاريخ و كل ما درجنا على سماعه منذ سنتين و حتى الآن….. و غيره “
أو من خلال تعليق القيام بواجب الحماية على شروط إرتدادية معظمها يبدأ بفكرة ” كتوحيد المعارضة ” و ينتهي بجدليات لا نهاية لها من قبيل ” معرفة البديل و ما هو مشروعه المستقبلي و ما هو موقفه من مجمل القضايا بدءاً من إسرائيل و انتهاءاً بالسلاح الكيماوي “
-و الشيء الوحيد المتفق عليه بين المرشحين و الذي حاولا أن يقحمانه في كل صغيرة و كبيرة و تسابقا و تنافسا في إظهار التمسك به هو الولاء لاسرائيل و حمايتها مهما كانت الأسباب و المسببات و عدم التردد بذلك.
و في هذا المجال يقول رومني : يجب أن تلعب أمريكا دوراً قيادياً في سوريا بتوفير الأسلحة للمعارضة المسلحة و لكن …بعد القيام بعملية إصطفاء أو إنتقاء و التشاور مع الأصدقاء المقربين ” إسرائيل “
يجيبه أوباما : مشيراً للجهود الأمريكية لتنظيم المجتمع الدولي لمعالجة الشأن السوري و أنه متأكد أن الذين تتم مساعدتهم سيصبحون أصدقاء في المستقبل ….؟
و الطريف أن السوريين يعلمون حقيقة تلك الضغوط و ما كان هدفها و النتائج الكارثية التي تمخضت عنها على الشعب السوري و هو ما لم يعد ينطلي على أحد.
المنظمة السورية لحقوق الإنسان ترى في كلا المرشحين وجهين لعملة واحدة لا يمكن لها أن تتغير أو تتبدل وفقاً للظروف الحالية و فيما يتعلق بالشأن السوري و هو ما يعنينا في المنظمة السورية لحقوق الإنسان فمن الواضح أن كلا المرشحين لم يقرأ التاريخ جيداً، و من الواضح أن كلا المرشحين يتعامل مع النكبة السوريين بإتجاه أحادي الجانب تنفيذاً لأجندة مفروضة عليه من إسرائيل دون ترك أي هامش لهما للقيام بما تفرضه عليهما مسؤولية المنصب.
I.كلا المرشحين لا يعلمان أو لا يريدا أن يعلما أن أول إنقلاب عسكري عرفته سوريا بتاريخ 30 آذار لعام 1949 و الذي كان قد أطاح بالشرعية وحكم القانون و ألغى الدستور الشرعي في عهد الكتلة الوطنية المنبثق عن لجنة منتخبة من عموم الشعب السوري و الذي إعتقل على أثره رئيس الجمهورية شكري القوتلي رحمه الله ، ورئيس وزرائه خالد العظم و أهم رجالات الدولة و تمّ بموجبه حلّ البرلمان المنتخب و تقويض أركان أول شرعية دستورية و قانونية في سوريا كان قد أُعُد له في السفارة الأمريكية في دمشق و تمّ تمويله من قبلها و خطط له ضابط الإستخبارات الأمريكية ” مايلز كوبلاند ” و الذي كان قد أدلى بإعترافات مفصلة في مقابلة أجراها بتاريخ 29/9/2012.
و بالتالي فالإستخبارات الأمريكية و من ورائها الإدارة الإمريكية تتحمل ” تاريخياً و أخلاقياً و قانونياً ” مسؤولية أول دبابة نزلت لشوارع دمشق و أطاحت بالشرعية الدستورية و فرضت حكم العسكر بشرعيتهم الثورية و محاكمهم الاستثنائية و ترسانة قوانينهم القمعية و التي مازال الشعب السوري يرزح تحت نيرها و يدفع ثمنها دماً و كرامة و أسى.
و السؤال المطروح: ما كانت مصلحة المخابرات الأمريكية في تقويض شرعية الدولة الوليدة في سوريا و الاطاحة بحكم القانون و بالرئيس المنتخب و بالنظام البرلماني الحر ….. سؤال معلق بإنتظار حكم التاريخ عليه…؟
II. هناك مسؤولية ” أخلاقية و تاريخية أخرى ” إلتفت عنها كلا المرشحين و التي مفادها أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تتحمل مسؤولية و وزر دعم نظام حكم الأسد الذي جثم على صدر السوريين منذ عام 1970 و الذي خلف وراءه كل هذه الدماء و الآسى و الآلام للسوريين و الذي تمخض عنه في نهاية المطاف ” جملكية ” وراثية تقصف حواضرها بالطائرات الثابتة الجناح من أجل السلطة.
و هو أمر لا يستطيع أحد إنكاره و قد تمّ الإعتراف به رسمياً مراراً و تكراراً لا سيما في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول …. فهل كانت الادارات الأمريكية المتعاقبة في الجانب الصحيح من التاريخ و لمصلحة من …؟
III. الولايات المتحدة الأمريكية تتحمل المسؤولية القانونية و الأخلاقية بوصفها عضو دائم في مجلس الأمن الدولي معول عليها حفظ السلم و الأمن الدوليين بموجب ميثاق الأمم المتحدة …. و لأنها في حقيقة الأمر تمسك بزمام القرار الدولي بصفتها العضو الأكثر نفوذاً في مجلس الأمن الدولي و هو أمر لا يستطيع أحد إنكاره أو التحايل عليه، و ما روسيا و الصين إلا مشجب تعلق عليه وصمات التاريخ في حالة التواطؤ الدولي كما هو الحال في سوريا، و قد علمنا من التجارب السابقة أن الولايات المتحدة الأمريكية حينما تريد أن تفعل شيء أو تحضر لغزو فإن آخر ما تفكر به هو العودة لمرجعية مجلس الأمن أو حتى المجتمع الدولي….. فعلى من ترتل مزاميرك يا داود….؟
و مع كل ذلك فإن جلّ ما يطمح إليه السوري اليتيم الذي يتعرض لخطر الإبادة الجماعية من الإدارة الأمريكية الحالية أو القادمة هو أن تنأى بنفسها عن قضيته و أن لا تضغط لتنظم جهود المجتمع الدولي لمساعدته و أن لا تتعب نفسها بعمليات الفرز و الاصطفاء للمعارضة السورية و سيتكفل السوريين بمعونة الله و مساعدة أصدقائهم الحقيقيين بحل مشاكلهم.
بذات الوقت تناشد المنظمة السورية لحقوق الإنسان مؤسـسات المجتمع المدني الأمريكية و القوى المجتمعية الفاعلة بما فيها من نقابات و هيئات مدنية و جمعيات إغاثة إنسانية و خيرية و طبية أن تقف مع الشعب السوري المنكوب و أن تبذل كل ما في وسعها لإقالته من عثرته.
كما تربأ المنظمة السورية لحقوق الإنسان بالمعارضة السورية لا سيما محبي الظهور من مغبة الانجرار وراء صناع القرار السياسي في واشنطن تحت راية توحيدهم أو فرزهم أو تقيمهم لأن ذلك سيمنح الفرصة الزمنية للنظام السوري تلو الفرصة لمزيد من القتل و التدمير من جهة و بما يظهر الإدارة الأمريكية بمظهر المهتم بالشأن السوري من جهة ثانية و بما يضمن لها ذريعة مستقبلية يمكن من خلالها تحميل المعارضة المسؤولية الأخلاقية ” بالقول إنهم لم تكونوا موحدين و أنا الإدارة قامت بما عليها لتوحيدهم “
تؤكد المنظمة السورية لحقوق الإنسان أن من سيحكم سوريا المستقبل هو من سينتخبه الشعب السوري الحر و يفرزه صندوق إقتراع حقيقي و ليس المستنسخ و المحسن و المخصب بمواصفات قياسية أمريكية.
و في سياق متصل فقد تعالت في الآونة الأخيرة أصوات الشماتة في العالم العربي و الاسلامي بالولايات المتحدة في أعقاب الإعصار ” ساندي” الذي عصف بالساحل الشرقي الأمريكي.
المنظمة السورية لحقوق الإنسان إذ تسـتنكر تلك الأصوات الشامته فإنها تؤكد على ضرورة الفصل و عدم طمس المسافة ما بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة و مواقفها المخزية من القضايا العربية و الإسلامية و ما بين أمريكا الأرض و الشعب و الإنسان .
الولايات المتحدة الأمريكية وطن أسـسه الأباء الأوائل من أمثال جيفرسون و لنكولن و جورج واشنطن على قيم الحرية و الحق و العدل و الإيمان بالمساواة بين بني البشر إحلال قيم الدولة و إرادة الحياة الحرة المشتركة بين جميع أبناءها و لهذا سنوا أساس النهضة في أمريكا دستوراً عادلاً أقام الحكام خدماً للشعوب لا العكس و تكون وظيفة الحكومة فيه هي الحفاظ على حقوق المواطنين و رعاية مصالحهم لا نهبهم و استغلالهم و من ثم إبادتهم جماعياً كما يحدث حالياً في سوريا ً.
و الشعب الأمريكي خليط من مختلف شعوب الأرض كانت قد جمعتهم رغبة العيش المشترك وهم بمعظمهم شعب طيب و محب و تواق لمساعدة الآخرين و تجمعنا بهم القيم الحضارية و الهم الإنساني المشترك و من غير المنصف أن يدفع هذا المواطن البسيط ثمناً لسياسات خارجية لا ذنب له بها.
سياسات خارجية تمّ إقصاء المواطن الأمريكي عنها و قطع رقابته عليها و عن حقيقة ما يجري بها بذريعة أن الشؤون الخارجية من متعلقات الحكومة المركزية ، ثم في خطوة لاحقة تمت السيطرة على تلك السياسات الخارجية من لوبيات إسرائيلية ” كالأي باك ” و قد تزامن ذلك مع سيطرة شبه كاملة على وسائل الاعلام السمعي و البصري و المقروء و هيمنة فكرية على كل رأي مخالف.
تذكر المنظمة السورية لحقوق الإنسان الرئيس أوباما بما قاله في حملته التمهيدية الأولى لخوض الانتخابات الأمريكية من أنه يجب على واشنطن أن تتغير في العمق
و الآن و بعد أن انقضت فترة رئاسته الأولى نسأل الرئيس: هل نجحت يا سيادة الرئيس في تغيير واشنطن في العمق…؟
هل أدت برامج تحسين الصورة الغرض المطلوب في تغيير واشنطن في العمق …؟
هل قامت الإحجية التي مفادها أن العالم يكره الأمريكيين بسبب نمط حياتنا بما عليها من أجل تغيير واشنطن في العمق…؟
و كيف يمكن لواشنطن أن تتغير بالعمق بإعتماد أسلوب ثنائية الخطاب السياسي و إزدواجية المعايير بالركون لاستراتيجية النفاق السياسي في التعامل مع قضايا المنطقة و بدون محتوى قيمي و أخلاقي و إنساني …. يا سيادة الرئيس
كيف يمكن لأمريكا أن تتغير بالعمق بدون العودة للقيم الحضارية و الانسانية التي قامت عليها الولايات المتحدة الأمريكية و التي تجلت عبر تاريخها بأثر تراكمي من خلال التعديل الدستوري الأول و من ثم مبادئ ويلسن الشهيرة قبل أن يتم استلاب إرادتها من قبل حفنة من أصحاب الهواجس و المخاوف الظلامية … سؤال مفتوح للرئيس الأميركي القادم.
خلفيات الموضوع :
يقول ” أوين ” في كتابه ( أكرم الحوراني )
تأكد حديثاً بعد السماح بنشر بعض الوثائق السرية و بعد أكثر من أربعين سنة على إنقلاب حسني الزعيم تورط الولايات المتحدة الأمريكية بأول إنقلاب عسكري في العالم العربي.
و كان ” مايلز كوبلند ” عضو المخابرات المركزية السابق قد ذكر في كتابه ( لعبة الأمم ) عن التورط الأمركي الاستخباراتي في أول إنقلاب عسكري على الشرعية في دمشق.
و يسترسل المؤلف قائلاً : و هكذا شرعت المفوضية الأمريكية بالقيام بعملية هدفها تشجيع الجيش السوري على القيام بإنقلاب عسكري لتجنيب سوريا الاختراق السوفيتي و جلبها لطاولة السلام مع إسرائيل و لم يكن حسني الزعيم الخيار الأول لفريق العمل السياسي الأمريكي المشرف على العملية لكنه أصبح هدفها لأن الأمريكان وجدوا فيه نواحي إيجابية متعددة فقد كان له مواقف معادية للسوفيت و كان يرغب بالحصول على المساعدات الأمريكية ، ثم أنه مستعد للقيام بعمل ” بناء ” فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية – سنداً للمعايير الأمريكية –
و استناداً لتلك الوثائق السرية فقد التقى الضابط حسني الزعيم مع المسؤول الأمريكي للنقاش حول تفاصيل و آليات الانقلاب العسكري و قد بدأت هذه اللقاءات أواخر عام 1948 و في شهر آذار من العام نفسه تقدم الجنرال حسني الزعيم بطلب المساعدة من الأمريكيين للقيام بإنقلابه العسكري.
و بعد الإنقلاب وضع حسني الزعيم الرئيس الشرعي المرحوم شكري القوتلي في سجن المزة مع رئيس وزرائه المرحوم خالد العظم و بدأت الاتفاقيات التي تخّول الأمريكان إقامة نفوذ و مصالح لها في سوريا كشركة التابلاين الأمريكية التي سُمح لها بالعمل و إقامة المطارات و سكك الحديد و إقامة المنشأت المعفاة من الضراب … كل ذلك لقاء 20 ألف استرليني.
و لا ننسى الحاضر الغائب ” انكلترا ” صاحبة الموقف الملتبس من ثورة الشعب السوري و التي ما فتئ وزير خارجيتها ” وليم هيغ ” يرسل التطمينات تلو التطمينات للنظام السوري لمزيد من القتل و التدمير و التي مازال دورها مجهولاً حتى الآن فيما يتعلق بأول إنقلاب على الشرعية في سوريا و التي حصدت أيضاً من نتائج هذا الانقلاب و منحت فيها شركة المصافي المحدودة البريطانية إمتياز تصدير النفط العراقي من بانياس و لمدة / 70 / سنة معفاة من الضرائب و الرسوم، كما منحت الأفضلية في الموانئ السورية و الحق بوضع العوامات و بناء الانشاءات على الشواطئ و إنشاء السكك الحديدية و الطرق البرية و شبكات الهواتف و البرق و اللاسلكي و منح موظفيها تسهيلات كاملة في التنقل مقابل الحصول على نسبة عائدات ضئيلة جداً.
هذا عدا عن المصادقة على اتقاقية مثيلة مع شركة خطوط أنابيب الشق الأوسط المحدودة البريطانية و لمدة / 70 / عاماً و بشروط مجحفة للهيمنة مطابقة لسابقتها.
المنظمة السورية لحقوق الإنسان على يقين أن الأمريكان و البريطانيين شعوب محبة للسلام و العدل و المساواة و كان لهم اسهاماتهم في التراث الانساني العالمي و في إرساء منظومة الشرعة الدولية لحقوق الإنسان و هم شركاء للشعب السوري العظيم في همه الانساني العام و من غير الجائز تحميلهم وزر ما إقترفته الإدارات المتعاقبة عليهم بحق الشعب السوري.
اترك تعليقاً