في ظل الأوضاع الاستثنائية التي تعيشها سوريا فقد اقتحم مجموعة من الأساتذة المحامين الأدالبة صباح الأحد الموافق 15/12/2024 مبنى نقابة المحامين بدمشق برئاسة الأستاذ أحمد دخان و استولوا على المناصب النقابية المركزية و   و استلموا الصناديق الإئتمانية من النقابيين السابقين المعينين من قبل الأجهزة الأمنية و البعثية  برئاسة الأستاذ حكمت فرداوي.

و بالأمس أصدرت النقابة المركزية عدة قرارات تمّ بموجبها حل مجالس فروع النقابات بأكثر من محافظة سورية و منها العاصمة دمشق و تعيين أعضاء نقابة جدد كان من بينهم شبيحة تشفعت لهم أصولهم الإدلبية فيما يبدوا بالوصول للمنصب رغم تاريخهم المخزي بالولاء للنظام البائد.

المنظمة السورية لحقوق الإنسان تضع النقاط على الحروف وفقاً لما هو آت:

– لئن كانت النقابات السابقة لا شرعية لها كون أعضائها معينين من قبل حزب البعث الذي كان يحكم سوريا بالحديد و النار.

 و لئن كان وصول أعضاء النقابات السابقة لمناصبهم في ظل العهد البائد قد تمّ بطريقة غير مشروعة تحت حراب أجهزة الأمن و هيمنة القائمة المعدة و المسيطر عليها حزبياً.

و لئن كان أزاحة تلك الطغمة من مناصبهم النقابية إنما يشكل غاية مشروعة بحد ذاته، إلا أن الطريقة أو الوسيلة التي إتبعها المحامين القادمين من إدلب بإحلال أنفسهم بديلا عنهم و فرض ذلك عنوة على جمهور المحامين و من ثم إرساء ثقافة التعيين لأعضاء مجالس الفروع بالمحافظات إنما يشكل وسيلة غير مشروعة لتحقيق غاية مشروعة.

و من غير اللائق تاريخياً أن لا يبرأ  المحامين  بأنفسنا عن إستخدام وسائل غير مشروعة حتى لو كانت غاياتهم مشروعة

فالغايات المشروعة تحقق بوسائل مشروعة.

و عليه فإن نقابة المحامين القائمة حالياً و الموجودة بحكم الأمرالواقع في مبنى نقابة المحامين بدمشق و بذريعة أن لديهم أوامر شفهية من الإدارة السياسية لهذا البلد،  إنما هي نقابة محامين لا شرعية لها لإنها غير منتخبة و قد فرضت نفسها بقوة  و هيمنة الأمرالواقع و بذريعة أن لديهم تفويض شفهي من الإدارة السياسية بحسب زعمهم و هذا مرفوض في ميزان الشرعية الدستورية و القانوننية  وعلى جميع المستويات.

 على القائمين على هذه النقابة أن لا يصدروا أي قرار و أن لا يقوموا بأي تعيينات لأن جميع القرارات الصادر عنهم تعتبر بحكم المعدومة لأنها صادرة عن جهة لا تملك الحق بإصدارها.

كما أنه لا يحق لهم التصرف بقرش واحد من صناديق النقابة لأن أيديهم على تلك الصناديق إنما هي يد أمانة لا يد إدارة لأنهم غير مفوضين من الهيئة العامة للمحامين بإدارة تلك الصناديق.

و لن يفيدهم حين الحساب التذرع بالشرعية الثورية لأن ثورتنا قامت في مواجهة من سرق البلاد و العباد بإسم الشرعية الثورية و هدفنا من هذه الثورة إعادة سوريا إلى سابق عهدها كدولة قانون و مؤسـسات لا أن نستبدل شرعية ثورية حرقت الأخضر و اليابس بشرعية أسوء منها أو أن نستبدل صرف نفوذ القرداحة سيئة السيط بصرف نفوذ إدلبي لا قدر الله.

عليه فإن الواجب المهني و الأخلاقي و القانوني يحتم على الأساتذة الكرام أحمد دخان ورفاقه الكرام ما يلي:

أولاً: تجميد جميع أعمالهم و نشاطاتهم و حتى صفاتهم ” كرئيس و أعضاء مجلس نقابة محامين ” فوراً

ثانياً : الدعوة لهيئة عامة استثنائية وافتح باب الترشيح  لكل من يجد في نفسه الكفاءة لعضوية الفروع  أو المؤتمر العام لنقابة المحامين تمهيداً لإنتخاب نقابية جديدة.

ثالثاً : إجراء الإنتخابات بأعلى معايير النزاهة و الشفافية و على الملأ و على شيوخ مهنة المحاماة  في جميع المحافظات السورية أن يتحدوا و يتحملوا مسؤولياتهم لإعادة الروح لقيم المهنة العريقة و  أن يتصدوا للواجب الوطني و المهني الملقى على عاتقهم و أن لا يركنوا لمصالحهم الخاصة و الشخصية  التي أبعدتهم عن العمل العام لعقود و عقود  تحولوا بعدها  إلى كتلة صامتة منسية و هزيلة.

رابعاً : و فيما لو إمتنع الأساتذة أحمد دخان و رفاقه عن الإنصياع  لمتطلبات السير على هدى الشرعية الدستورية و القانونية فإننا نحمل الإدارة السياسية و على رأسها الرئيس أحمد الشرع مسؤولية المهزلة القايمة حالياً في نقابة المحامين لأن الأساتذة الذين استولوا على المناصب النقابية عنوة كانوا قد تذرعوا بوجود توجيه شهفي لهم منكم لإقتراف هذا الكم من المخالفات لأبسط قواعد القانون و لقيم المهنة و أدابها و أعرافها في سابقة خطيرة  ستسدل بظلالها القاتمة قريباً على بقية النقابات المهنية في البلاد.

خامساً : العمل فوراً و من خلال اللجنىة التشريعية المزمع تشكيلها على العودة لقانون تنظيم مهنة المحاماة القديم رقم / 14/ تاريخ 22/4/ 1972 و إلغاء القانون رقم / 39/ تاريخ 21/8/ 1981 الذي تم بموجبه تحويل نقابة المحامين إلى خلية بعثية تنشر الفساد و تعمم ثقافة عبادة الفرد مما أفضى للفراغ التام لفرسان الحق و العروبة الذين كان عليهم حمل الأمانة و التصدي لهذه الظاهرة  التي نحن بصددها.

خلفيات الموضوع :

في مواجهة التغول الأمني و ترسانة القوانين المكبلة للحريات التي خنق بها النظام البائد المجتمع السوري منذ استيلائه على السلطة صبيحة 8 آذار 1963، كان للمجتمع السوري صادات أو ردات فعل مجتمعية برزت و تجلت بأبهى صورها في حركة النقابات المهنية نهاية السبعينيات و التي طالبت بالحريات العامة وحقوق الإنسان على يد نخبة مجتمعية مثقفة مهنية من محامين و مهندسين و أطباء و صيادلة و غيرهم.

و كانت حركة مجلجلة سعت للعودة لمظلة القانون و المؤسـسات و الدستور التي أرساها الآباء المؤسـسين للجمهورية العربية السورية و طي صفحة القوانين و المراسيم القمعية التي جاء بها العسكر.

النظام البائد واجه حركة المجتمع بالقمع و زج بكوادرها النقابية بالسجون و المعتقلات و سارع لتعديل القوانين المهنية لمعظم النقابات ، الأمر الذي نحصد ثماره المرة اليوم و بعد أكثر من نصف قرن من الزمان.

على سبيل المثال كان تعريف مهنة المحاماة بموجب القانون رقم / 14/ تاريخ 22/4/1972 على أنها مهنة حرة تؤدي خدمة عامة ينظمها القانون و المحاماة ذات غايات قومية و إنسانية تهدف للدفاع عن الحقوق الطبيعية و الموضوعية للأفراد و الوطن و الأمة و الإنسانية و تسعى لتحقيق الوحدة و التقدم و تأمين سيادة القانون تحت شعار الحق و العروبة و كان من أهدافها على سبيل المثال تنظيم و إعداد الدراسات و مشاريع القوانين الهادفة لتطوير التشريع بما يؤدي لضمان الحريات العامة و حقوق الإنسان و العدل و سيادة القانون

و بتاريخ 22/6/1978 صدر عن الهيئة العامة لفرع نقابة المحامين بدمشق القرار رقم / 1 / الذي كان له أكبر الأثر على مستقبل العمل النقابي في سوريا و الذي طالب برفع حالة الطوارئ و إعتبار الأوامر العرفية معدومة الأثر و إلغاء المحاكم الشاذة و الإستثنائية في سوريا، و الطلب من الأساتذة المحامين مقاطعتها و عدم شرعنتها تحت طائلة الإحالة لمجالس التأديب و تجريم جميع صور الكبت و القهر و القمع و التعذيب المنافي للكرامة الإنسانية و تطبيق مبدأ سيادة القانون و إستقلال القضاء و إنهاء جميع حالات الإعتقال التعسفي و إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي و الضمير، و التصدي لجميع أنواع الإعتقال و الإمتهان التي تمارسها الأحهزة الأمنية و إعتبار مبادىء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الدستور الأساسي للمواطن السوري و تقديم أحكامه على جميع النصوص و تأليف لجنة نقابية لتنفيذ هذا القرار و رصد جميع الأعمال التي تتجاوز على حقوق المواطنين و حرياتهم و تقديم تقرير بذلك للهيئة العامة في أول جلسة إنعقاد

سرعان ما إستفاد النظام البائد من الموقف التواطئي الدولي و بدأ بشن حملة إعتقالات و مداهمات لزعماء الحركة النقابية و كان منهم : الأستاذ النقيب صباح الركابي و وزير الدفاع السابق و الحائز لوسام الإستحقاق السوري رشاد برمدا و كل من السادة الأساتذة عبد المجيد منجونة و سليم عقيل و محمود الحموي و ثريا عبد الكريم و ميشيل عربش و أسعد العلي و عدنان عرابي و محمود الصابوني و موفق الكزبري و أسعد العلي و سعد نينو و بهجت مسوتي و هيثم المالح و غيرهم الكثير ممن لم تسعفني الذاكرة بذكر أسمائهم و التي على الأجيال القادمة تخليد ذكراهم بأحرف من نور.

و بالطبع طالت حملات الإعتقال الهمجية نقابات الأطباء و المهندسين و الصيادلة و غيرهم

و من ثم عدّل النظام البائد قوانين تنظيم المهن العلمية و منها قانون تنظيم مهنة المحاماة بموجب القانون / 39/ تاريخ 21/8/1981 حيث جاء في المادة / 3 / تحت عنوان نقابة المحامين و أهدافها ما يلي:

نقابة المحامين تنظيم مهني إجتماعي مؤمن بأهداف الأمة العربية في الوحدة و الحرية و الإشتراكية و ملتزم بالعمل على تحقيقها وفق مبادئ و مقررات حزب البعث العربي الإشتراكي و توجيهاته.

المادة/ 4/ تعمل النقابة بالتعاون مع الجهات الرسمية و الشعبية في القطر العربي السوري و بالتنسيق مع المكتب المختص في القيادة القطرية لحزب البعث العربي الإشتراكي على تحقيق الأهداف التالية :

و التي سنورد بعضها بإختصار :

– المساهمة في حشد طاقات الجماهير لتحقيق أهداف الأمة بالوحدة و الحرية و الإشتراكية

– العمل على تطوير الفكر القانوني بما يخدم تحقيق التحول الإشتراكي

– الدفاع عن مصالح المهنة و مصالح أعضائها المتعلقة بمزاولة المهنة فقط ..

فأذا أخذنا بعين الإعتبار قانون حزب البعث رقم / 52 / لعام 1978 و الذي حول الحزب لحاضنة لتكريس ثقافة عبادة حافظ الأسد و أولاده من بعده و المتساوق مع بقية الترسانة القمعية للقوانين المكبلة للحريات لعرفنا في أي إتجاه كانت تسير قافلة القوانين المهنية في سوريا و التي كنت أنا شخصياً أحد ضحايا همجيتها و بربريتها  حينما أصّر فرع نقابة المحامين بدمشق على إذلالي و ذلك بإحضاري مرات كثيرة من السجن  بطريقة مهينة و بالزي المخطط و مكبلاً بالأصفاد المغلظة قصداً و أحياناً حافي القدمين و على مرأى من جمهور المحامين الشباب لمحاكمتي بتهمة تأسيس منظمة غير مشروعة تهدف لزعزعة نظام الحكم على خلفية مجرد نشاطي في الدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا و من ثم إستصدار قرار بحرماني من ممارسة مهنة المحاماة مدى الحياة في سوريا.

تلك التبعية النقابية أفرزت لنا جيلا من المحامين استساغ تعيينه عنوة على زملائه  من قبل حزب البعث في المراكز القيادية النقابية مما أفضى إلى هذا الواقع المرير الذي نحن بصدده اليوم و الذي نحن أحوج ما نكون للخروج منه أقوى و أمضى و أشد مناعة في مواجهة الطغيان و الإستبداد و الله ولي الصابرين.

مهند الحسني المحامي

رئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان