سبق للخارجية الأمريكية و أن وجهت بعض الأسئلة و الاستفسارات للخارجية السورية في إطار الإستجابة للطلب السوري برفع العقوبات الإقتصادية.وزارة الخارجية السورية اشترطت للإجابة منح فيزا للسيد الوزير الشيباني كي يرفع العلم الأخضر فوق مبنى الأمم المتحدة …. و كأن الفيزا أولى بالأهمية من رفع العقوبات.و بالفعل تمّ منحه فيزا محدد زمانياً بعدد محدد من الساعات في أمريكا، و محددة مكانياً بمسافة لا تتجاوز ( 25 ) ميل ضمن محيط الأمم المتحدة.جاء الوزير الشيباني و تمّ تحديد موعد لرفع العلم الأخضر صبيحة يوم الجمعة 25 أبريل على المنصة الخاصة بالعلم السوري من بين حوالي مئتي منصة لبقية دول العالم.فجر هذا اليوم خرجنا مجموعة سوريين بباص من نيوجرسي و إنتظرنا على أحرمن الجمر حتى أزفت اللحظة الموعودة حيث لاح في الأفق الوزير الشيباني مع الوفد المرافق له فتدافع عليه السوريين لمصافحته و السعادة تغمر قلوبهم إلا أن الوفد المرافق له تحولوا بقدرة قادر من دبلوماسيين إلى عناصر أمن و تعاملوا مع الجمهور بمنتهى الغلظة و الفظاظة.دخل الشيباني و رفع العلم الأخضر ثم إنعطف على جموع السوريين بالخارج و حياهم من وراء الجدر و كأنهم مصابين بمرض معد.بلعنا مرارة الموقف و عدنا أدراجنا بالحافلة و نحن نحلم بآليات لتوظيف هذا الحدث التاريخي من خلال استئجار صالة ضخمة أو مسرح كبير ضمن المحيط المسموح للسيد الوزير بالتجول فيه و دعوة أكبر قدر ممكن من السوريين لاسيما الكتلة الصامته التي انقطعت بعض أواصر لحاها مع الوطن الأم في محاولة لإستعادتها و تفعيلها لتضع ثقلها و امكانياتها في خدمة مشروع سوريا الحرة المستقبلي.لنفاجئ في اليوم التالي بلقاء كانت قد تمت برمجته و الإعداد له بسرية تامة في الغرف المغلقة مع ما يسمى ” المنظمات السورية ” و لمن لا يعلم ما هية هذه المنظمات و آليات عملها و كيف ينظر إليها من قبل السواد الأعظم من أبناء الجالية السورية في أمريكا فإنها على نوعين رئيسيين ( إغاثي و سياسي )الطابع العام لمعظم تلك المنظمات هي الإنغلاق على الذات.و هناك قواعد عامة مقررة لها، فالسمة الرئيسية لمعظمها لاسيما السياسية منها أنها تلعب دوراً وظيفياً لمصلحة تحسين صورة الولايات المتحدة، فمعظمها يتقاضى التمويل من صندوق تمّ إنشاؤه بعد أحداث 11 أيلول يدعى صندوق تحسين صورة الولايات المتحدة ، لذلك من شبه المستحيل أن تسمع من أي منها انتقاداً و لو بالتلميح للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه بلد مثل سوريا.على سبيل المثال : الرئيس السابق أوباما حكم لدورتين متتاليتين تقاطرت خلالها البراميل المتفجرة الغبية العشوائية الهدف على رؤوس السوريين مثل المطر، و هو بدوره حجب عنهم الحق في منطقة آمنة أو عازلة أو حتى منطقة حظر جوي أو الحق بالدفاع عن أنفسهم من خلال إمتلاك الصواريخ الحرارية المضادة للطيران، ليس هذا فحسب بل منح سوريا و شعبها كجائزة ترضية مجانية لإيران على هامش الاتفاق النووي و مع ذلك لا أذكر أني قرأت تصريح واحد أو تلميح من أي من تلك المظمات ينتقد ذلك.حتى الخيرية منها أو الإغاثية فإنها تتقاضى ” فند سنوي ” أو مبلغ من المال من الخزينة الأمريكية، و الطابع العام لمعظمها أنها مغلقة على أعضائها أو شبه سرية بمعنى أنه لا جمعية عامة سنوية و لا تلاوة لتقرير مفتش حسابات مع قدرة هائلة على التكتم على الفضائح، و التداول على منصب رئيس مجلس الإدارة يتم من بين أعضاء مجلس الإدارة بالتناوب فيما بينهم في معظم الأحيان.و آلية العمل في المنظمات السياسية يقوم على توظيف شخص في واشنطن يقوم بأعمال ” اللوبينغ أو الأدفوكاسي ” بمعنى الدعاية السياسية ، و في الأعم الأغلب يتم توظيفه بناء على توجيه أمني من قبل المخابرات كما سرّ لي بذلك أحد رؤساء تلك المنظمات السابقين.و مع الزمن يتحول هذا الموظف إلى مدير تنفيذي بمعنى الأمر الناهي و المطلع الوحيد على مداخيل و مصاريف المنظمة في حين يتحول أعضاء مجلس الإدارة إلى مجرد ديكور.و الديدن الرئيسي للقائمين على تلك المنظمات هو الكذب البواح دونما خجل أو وجل حتى أنهم نجحوا بتخدير الجمهور السوري على مدى 14 سنة زعموا فيها أنهم وراء عقوبات قيصر و أنه لا تأثير لتلك العقوبات على الشارع السوري و أن تأثيرها مقتصر على بشار الأسد و حاشيته ليتبين بعد سقوط النظام أنهم أكذب من مسيلمة و أن العقوبات موجهة ضد الشعب السوري و أنهم لم يكونوا خلفها أصلاً و إنما هي جزء من سياسة خارجية معتمدة من قبل أمريكا تجاه سوريا، ما و إلا لتمكنوا من رفعها بعد سقوط نظام الأسد الذي فرضت عليه لأن من يملك الشيء يملك حجبه و التحكم بأثاره و لكن هيهات.و بما أن هذه المنظمات هي الأقدر مالياً و لوجستياً فقد كانت من أوائل من هبط على القصر الرئاسي بدمشق بعد التحرير لتلتقي بالإدارة المستفردة بالقرار و هناك على ما يبدوا تم اللقاء مع الوزير الشيباني و التنسيق معه و هو لا يعلم أنه بذلك إنما اختار سلوك الباب الخلفي للولوج للجالية السورية بأمريكا.و للباب الخلفي بالسياسة وخباءثه فهو لا يفرز في معظم الأحيان إلا العفن السياسي المغطى بطبقة رقيقة من الزبد ” دموع أثناء رفع العلم أو قرض الشعر كالقول بأن من رفع العلم هم أمهات مليون شهيد و 15 مليون مشرد … إلخ ” لكن سرعان ما يذهب الزبد جفاءاً مخلفاً وراءه ما يسيء السمع و الأبصار.و بالفعل تفاجأت الجالية في اليوم التالي لرفع العلم بلقاء الوزير مع مندوبي المنظمات السورية و كانت جلسة صالونات سياسية تبادلوا خلالها الابتسامات و الصور التي ملأت صفحات الفيس بوك ثم سربل في أعقابها السيد الوزير ذلك اللقاء بطبقة من الزبد السياسي جاء فيها أنه معجب بالطاقات البشرية و التنوع و الكفاءة و الثروة الحقيقية … إلخأثار تصرف السيد الوزير حنق الجالية و جاءت النصائح على عجل من القائمين على الباب الخلفي بضرورة عقد لقاء ثاني مع الحالية السورية و لو من باب رفع العتب و احتفظوا لأنفسهم بالحق بإختيار المدعوين من المقربين لتلك المنظمات أو التابعين لها و إستبعاد أصحاب الرأي الآخر أو المجاهرين بما لا تحب أن تسمع آذانهم على أن يتم الاجتماع في مكان ضيق هو مقر البعثة الدبلوماسية كي تبقى ذريعة ضيق المكان مبرر لعدم إمكانية دعوة أكثر من / 25 / شخص كحد أقصى على إعتبار أن السيد الوزير بمقامه العالي لا يخرج للقاء أحد و إنما على الجمهور أن يأتي إليه.و طبعاً هذه القاعدة لا تنطبق على أولاد العم ( اليهود ) لذلك خرج السيد الوزير في اليوم التالي بعد لقاء المنظمات من مقر إقامته و الرأس يسابق القدمين بإتجاه مدينة ( بروكلين ) للقاء اليهود السوريين الذين حددوا المكان و عدد و نوعية و ماهية اليهود المشاركين باللقاء و محاور الحديث و مادار وراء الجدران ظل حتى تاريخه طي الكتمان و حتى السيد الوزير لم ينبس حولها ببنت شفه.نعود إلى دراويش المسلمين الذين جاؤوا مساء الأمس إلى مقر البعثة الدبلوماسية و الذين تحكم بتسميتهم القائمين على الباب الخلفي كما أسلفنا، لدرجة أني أحد الذين تمّ ترشيح إسمي للحضور أربع مرات و هناك من المدعوين من هدد بعدم الحضور إن لم أحضر شخصياً و مع ذلك تمّ حظري و استبعادي.وبالفعل مرّ المدعوين على حاجزين أمنيين للسفارة للتثبت من أنهم تلقوا رسالة السماح لهم بالمثول بين يدي السيد الوزير و في نهاية اللقاء كالعادة ضجت صفحات الفيس بوك بالصور مع السيد الوزير و الإبتسامات و أصر السيد الوزير على ذات الزبد المتعلق بالثروة الحقيقية و الكفاءة و الطاقات البشرية .و صباح هذا اليوم غادرنا السيد الوزير تاركاً وراءه في أوساط الملايين من أبناء الجالية السورية مزيجاً من الشعور بالمرارة و الأسى و الهذيان و الإحباط و القنوط.الجالية السورية بأمريكا التي عاشت و ترعرعت و ارتقت و تقلدت المناصب في أجواء من الصدق و الحرية و احترام الذات و التنافس الشريف بعيدة جداً عن ثقافة الباب الخلفي و الخبث و العفن السياسي.لا أعرف كيف لاح بمخيلتي و أنا أكتب هذه الأسطر الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي استلم لبنان حطاماً منثوراً بعد ما يقارب ربع قرن من الحرب الأهلية و الاقتتال الطائفي حينما راهن على المغتربين ، تذكرت زياراته لعواصم الدول الكبرى و اللقاءات المطولة التي عقدها مع كل ألوان الطيف و حفاظه على مسافة واحدة من الجميع، فلا أبواب خلفية و لا تدليس و لا هم يحزنون، و في نهاية المطاف أقنع مئات آلالاف من اللبنانيين بالعودة مع رساميلهم و خبراتهم إلى لبنان ليبدؤا المشوار من جديد و يساهموا في إعادة الإعمار قبل أن تمتد ذراع الغدر الإيرانية العابرة للحدود إلى ما تبقى له من أيام في هذه الحياة الفانية.و للعلم فإن في أمريكا جالية سورية تعتبر الجالية اللبنانية أمامها مجرد لعبة أطفال ، في إحصائية رسمية قرأتها منذ سبع أو ثماني سنوات ففي المدينة الأمريكية الطابع التي أقطنها أكثر من ألف أسرة سورية.الجالية السورية بأمريكا بمجملها كتلة مهملة على المستوى الوطني السوري و صامته وغير مكترث بها. و كان من الممكن لحدث ملهم كرفع علم الثورة على مبنى الأمم المتحدة فيما لو تمّ توظيفه بالطريقة الصحيحة و بعيداً عن المدلسين أصحاب الفكر المبستر أن يمس شغاف قلوب الملايين من أبناء الجالية السورية سواءاً من أبناء الجيل الأول أو الثاني و لكن للأسف.و بمناسبة الحديث عن أبناء الجيل الثاني فهل يعلم السيد الوزير أن مئات ملايين الدولارات تخصص سنوياً لأبناء الجيل الثاني من اليهود الأمريكان كي يقوموا بزيارة اسرائيل أو أن يقوم الاسرائيليين بزيارة أمريكا كي يلتقوا بنظرائهم و يتبادلوا معهم المعارف كي لا تنقطع أواصرالصلة بالدولة العبرية مهما بلغت درجة الاندماج مع المجتمع الأمركي فأين نحن من هؤلاء….؟من الواضح أن السيد الوزير اختار الطريق السهل أو المختصر و القصير الأمد و القائم على عدم الثقة بالناس، لكن مع الأسف نتائجه ستكون نباتاً كخضراء الدمن سرعان ما يذوي و يموت.في حين نحن بحاجة لإختيار الطريق الصح القائم على الثقة بالناس وأن نزرع و نتحمل الصعاب و نتحلى بالصبر و نعطي الزمن حقه نحصد نباتاً حلو المذاق يسر الناظرين.و بهذه المناسبة أقول : في إطار البحث عن الحل السريع الأناني و الفرداني المقيت فقد قرر حافظ الأسد يوماً أن يسبي الجولان الأسير و في مقابل ذلك تمت مكافأته بأن حكمنا مع أولاده ثلاثة أجيال و انتهى به المطاف اليوم لعشرات ملايين الحناجر السورية تلعن روحه في قبره.اليوم و بعد التحرير الجميع يعلم بأن الإرادة الدولية و الإقليمية تحاول الإمساك بنا من اليد التي تؤلمنا لتجبرنا على التطبيع مع الكيان الغاصب و تهددنا بملفات داخلية و اقليمية أنتم أعلم الناس بها.و ما أستطيع أن أؤكده لكم أننا كشعب سوري معكم على السراء و الضراء ناصحين أمينين متحملين محتسبين لكننا لن نسمح أبداً أن تسبى الجولان مرتين يا سيادة الوزير.
و السلام على من اتبع الهدى
مهند الحسني المحامي رئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان ” سواسية ”