المنظمة السـورية لحقوق الإنســـان ( سـواسـية )
دلفت بعض وسائل الإعلام كعادتها للترويج لتقرير نشرته منظمة هيومان رايتس وتش الأمريكية تتهم فيه النظام السوري بإلقاء ذخائر عنقودية على المناطق الآهلة بالسكان و أن هذه القنابل العنقودية محظورة من كثير من الدول و أن على النظام أن يكف عن استخدامها و أن سوريا ليست طرفاً في اتفاقية حظرها في حين أن منظمة الهيومان رايتس عضو مؤسس في التحالف الدولي لحظرها و و………إلخ
ترى المنظمة السورية لحقوق الإنسان أن هذا التقرير هو حلقة ضمن سلسلة استهلها رئيس الحكومة الاسرائيلي حينما سلط الضوء على ترسانة الأسلحة الكمياوية السورية … و استعرض فيها الرئيس الأميركي في مرحلة لاحقة إمكانياته الخطابية محذراً النظام السوري من مغبة مجرد التفكير بإستخدامها … و ها هي اليوم منظمة “الهيومان رايتس وتش ” تستأنف الحملة بالوقوف عند جزئية استخدام النظام السوري للذخائر العنقودية في قصف السكان المناطق الآهلة.
و الحقيقة أن العلة التي لأجلها تمّ حظر استخدام الذخائر العنقودية من قبل بعض الدول في الحروب إنما هو عنصر الاستهداف الجماعي غير الفردي ….و لأن معظم ضحاياها من المدنيين … و لأنها تترك مخلفات لا تنفجر إلا لاحقاً و تشكل خطر مستقبلي.
لكن
من قال أن قوات النظام في سوريا كانت تستهدف السكان فردياً أو بشكل محدد……أو أن عنصر الاستهداف الجماعي و غير المميز لا يتجسد من خلال براميل الموت التي قد يصل الواحد منها لثلاثمائة كيلوغرام أو في غيرها من أشكال القصف الجوي أو حتى من خلال القصف المدفعي بالدبابات و راجمات الصواريخ و المدفعية الثقيلة وصولاً للمذابح و المجازر الجماعية بالسكاكين و الخناجر …
و من قال أن الذخائر( ذكية كانت أم غبية ) تعرف التفريق بين مسلح و غير مسلح حينما تستخدم في مواجهة المدن و القرى و الأرياف الآهلة بالسكان ….أليس الأعم الأغلب من ضحاياها مدنيين .
ثم ألا تخلف المجازر و المذابح و تجريف البيوت و القصف العشوائي فوق رؤوس الناس جرحاً غائراً في النفوس سيظل ينكأ على مدى الدهر و هو أشد وطأة و أفدح خطر من مخلفات الذخائر العنقودية سواءاً منها التي انفجرت أو التي لم تنفجر.
مهنياً
أليس من الأجدر بمنظمات حقوق الإنسان أن تكون أكثر جدوى و صدق مع الذات و الآخرين و تسلط الضوء على حقيقة المشكلة المتمثلة في تفاقم حجم الكارثة الانسانية في مواجهة تواطؤ مجلس الأمن الدولي في التعاطي مع الأزمة السورية.
أيعقل بعد عشرين شهراً من القتل اليومي الممنهج و العشوائي أن يتمثل حلم المبعوث الدولي ” الأخضر الابراهيمي ” بوقف إطلاق النار لأربعة أيام خلال عيد الأضحى….!!
ألا يعلم السيد الابراهيمي أن عدد الضحايا المسجلين بتاريخ قبوله المهمة في 16/8/2012 كان / 25743 / ضحية منهم / 2027 / طفل و / 1943 / إمرأة ……. و أن عدد الضحايا المسجلين كان وصل حتى تاريخ الأمس 16/10/2012 إلى / 39003 / ضحية منهم أكثر من / 1065 / ضحية تحت التعذيب و / 2708 / أطفال و / 2937 / إمرأة أي بفارق / 13260 / ضحية خلال شهرين فقط منذ بدء تاريخ قبوله المهمة و حتى الآن .
ثم هل من المعقول أن يتمثل الأفق السياسي المنشود للسيد الابراهيمي بنشر / 3000 / عنصر على غرار ” اليونيفل ” في لبنان
ألا يعلم أن مساحة لبنان / 10452 / ألف كم و يتمركز في منطقة واحدة منها هي الحدود مع اسرائيل / 15 / ألف عنصر من اليونيفل… في حين أن مساحة حمص وحدها / 42226 / ألف كم فهي وحدها أكبر من لبنان بأربع مرات، و لدينا في سوريا / 14 / محافظة ينتشر فوقها على الأقل / 600 / ألف مابين جيش نظامي و مليشيات أمن و شبيحة و جميعها و إن بدرجات متفاوتة تقترف جرائم إبادة و انتهاكات لحقوق الإنسان على كامل التراب الوطني ….. فكيف للسيد الابراهيمي في ظل حالة انعدام الرادع الأخلاقي و الضميري و الانساني من قبل النظام السوري القاتل لشعبه أن يفكر – مجرد تفكير – في حل الأزمة السورية من خلال ثلاثة آلاف عنصر لمراقبة حفظ السلام في سوريا.
تتمنى المنظمة السورية لحقوق الإنسان من أي منظمة حقوقية دولية إذا ما أرادت تسليط الضوء على مأساة السوريين أن لا تحرفنا بعيداً من خلال التفاصيل التافهة عن جوهر المشكلة المتمثل بوجود نظام متشبث بالسلطة بأي ثمن و في سبيلها لا يتوانى عن قتل شعبه و قصفه بالطائرات في مقابل تخاذل المجتمع الدولي عن حماية الضحايا و تواطؤ مجلس الأمن الدولي المحتكر لسلطة إتخاذ القرار مع النظام القاتل لشعبه و المهدد للسلم و الأمن الوطني و الدولي و الاقليمي….. و إلا فمن الأفضل للسوريين أن تبقى تلك المنظمات في أبراجها العاجية و يتركوا السوريين لعذاباتهم و أناتهم و آلامهم و آمالهم و مأساة لاجئيهم.
خلفيات الموضوع :
مع تقديرنا للتقرير الأخير لمنظمة الهيومان رايتس وتش الذي يشير لإزدواجية معايير الأمم المتحدة لكن ذلك كان خجولاً و عاماً و مجملاً و جزافياً و غير كافياً للسوريين بعد عشرين شهر من القتل اليومي الممنهج.
فقد أثبتت الأزمة السورية أن كثيراً من الجهات تحاول ” لسبب أو لآخر ” صرف النظر عن جوهر النكبة السورية و توجيه النظر نحو جزئية من هنا أو إشكالية من هناك.
كما حدث بتاريخ 17/9/2012 حينما ألقت لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سوريا تقريرها الخامس و الذي أكد على تصاعد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسانن في سوريا و التي كثيراً ما تصل إلى جرئم ضد الانسانية و جرائم حرب من قبل القوات النظامية مسلطاً الضوء على الكثير منها كالهجمات العشوائية على الأحياء المدنية و السكنية و القتل خارج القانون و الاعتقال التعسفي و الإعتداء الجنسي على النساء و الأطفال و التعذيب و المجازر الجماعية لا سيما الحولة التي ثبت مسؤولية النظام عنها بمليشياته و شبيحته.
كما أشار التقرير لإنتهاكات كانت ترتكب من قبل الجماعات المسلحة أو الجيش الحر التي لم تلتزم بمدونة السلوك التي اعتمدتها لكن حجم الجرائم و الانتهاكات التي ترتكبها القوات المعارضة المسلحة لا تقارن بما تقترفه قوات النظام السوري.
تزامن ذلك مع تقرير أصدرته منظمة ” اليو إن وتش ” الإسرائيلية حاولت من خلاله تحميل الجماعات المعارضة المسلحة في سوريا مسؤولية الإنتهاكات الواقعة على حقوق الإنسان.
و بذات التاريخ 17/9/2012 استشهدت السفيرة الروسية في مجلس حقوق الإنسان بتقرير منظمة ” اليو إن وتش ” في دفاعها عن النظام السوري و للتدليل على أن مسؤولية الجرائم تتحملها المجموعات المعارضة المسلحة.
و بذات التاريخ 17/9/2012 اصدرت منظمة ” الهيومان رايتس وتش ” الأمريكية تقريرها الذي سلط الضوء على الانتهاكات التي تقترفها المجموعات المعارضة المسلحة في سوريا.
و بهذه التقارير استشهد فيما بعد السفير السوري في الأمم المتحدة ” بشار الجعفري ” في دفاعه عن النظام السوري أمام الأمم المتحدة.
و بسؤالنا لممثل منظمة الهيومان رايتس وتش عن سر التزامن في التوقيت ما بين التقرير الصادر عن منظمته و تلاوة التقرير الصادر عن لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق فأجاب ….. صدفة
لقد كان موقف المنظمة السورية لحقوق الإنسان واضحاً منذ البداية في عدم تشجيع التسليح لأننا دعاة سلام و محبة و حقوق إنسان و تجنباً لعواقبه الوخيمة و كلفته الانسانية الباهظة لكننا لا نستيطع أن نتجاهل حقائق موضوعية من قبيل أن إصرار النظام السوري على الحل الأمني و القمعي الذي اعتمده منذ البداية و الذي حرضه عليه التواطؤ الدولي لمجلس الأمن كان هو السبب في انتشار ظاهرة التسليح بين السوريين و التي جاءت بعد ثمانية أشهر من اندلاع الثورة في محاولة من الأهالي لحماية الحواضن الشعبية من القتل و التنكيل و هو ما يحاول مجلس الأمن الدولي اليوم أن يتخذه ذريعه لتبرير موقفه المخزي و ذلك من خلال محاولة توزيع المسؤولية بالتساوي فيما بين النظام السوري و المجموعات المعارضة المسلحة عن الانتهاكات الواقعة على حقوق الإنسان متجاهلين أن النظام السوري يملك السلطة التي تجعله مسؤولاً عن حماية الناس لا عن قصفهم بالطائرات و إرتكاب المذابح الجماعية بهم لمجرد أنهم يريدون استخدام حقهم المشروع في التداول السلمي على السلطة.
أما الجماعات المعارضة المسلحة فهي ليست أكثر من ردة فعل على عسف النظام و تفتقر للتنظيم و آليات المراقبة و مع ذلك تحاول ما بوسعها للإنضباط و الالتزام بمدونات السلوك.
و الحقيقة التي تفرض علينا الشجاعة الإعتراف بها أن المسؤولية الأخلاقية و الانسانية و التاريخية لا يتحملها سوى مجلس الأمن الدولي و من يقف وراءه من أصحاب الهواجس و الأوهام في دول الجوار و التي لا أساس لها من الصحة و التي باتت تكلف السوريين أنهاراً من الدم و هو ما لم يعد ينطلي على أحد.
إن التقرير الأول و الثاني للجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق جاء خالياً من الإشارة للجماعات المسلحة المعارضة و الجميع يعلم أن الثورة السورية بدأت سلمية و استمرت كذلك لكن النفاق السياسي الدولي استدرج السوريين لهذا الوضع الكارثي المأساوي الذي بات فيه الدم السوري يراق بأيد السوريين مع الأسف الشديد.
و الحقيقة التي لا بد من مواجهتها أن ذلك التواطؤ الدولي من قبل مجلس الأمن مع النظام السوري هو السر الخفي الكامن وراء الموقف المتشنج للنظام السوري المتشبث بحكم الفرد و بالمكاسب السياسية و الدستورية غير المشروعة التي طالما سلبها بالحديد و النار و القهر و الجبر و الشدة و القبضة الأمنية و الرافض لأي تنازل مستقبلي لمصلحة عموم السوريين .
اترك تعليقاً